البحث
  كل الكلمات
  العبارة كما هي
مجال البحث
بحث في القصائد
بحث في شروح الأبيات
بحث في الشعراء
القصائد
قائمة القصائد
مناسبة القصيدة : غدوت على نفسي اثرب جاهدا


اللزومية الخامسة والأربعون: (وهي اللزومية التاسعة بقافية الباء) حسب شروح لزوم ما لا يلزم : (بحر الطويل) عدد الأبيات (14) القبر الملتهم: (1) الباء المضمومة مع الراء: (2) ويستوقفنا في نشرة د. طه حسين والأبياري أنهما ينقلان كلام البطليوسي من غير أن ينسباه إليه في كل اللزوميات التي شرحها . وهي القطعة الخامسة والأربعون حسب ما أورده الدكتور طه حسين في كتابه "صوت أبي العلاء" ص121 وهو كتاب يتضمن شرح خمسين لزومية، نشرت لأول مرة عام ١٩٤٤ : منها ٣٦ لزومية مما قافيته همزة وألف، والباقي من قافية الباء وكل ذلك أدرج ضمن نشرته لشرح اللزوميات لاحقا عام ١٩٥٥م، وقال في شرحه للزومية: ما أخلق النفس باللوم، وما أحراها بالتثريب، وما أجدر اللبيب العاقل والحكيم الحازم أن يمنحها منهما حظًّا غير مقطوع وعطاءً غير مجذوذ. فقد كلِفتْ بما في هذه الحياة من باطل، وحرصتْ على مالها من زينة فانية ونعمة غير خالدة. ولست أدري ما الذي يكلف به الإنسان من الثروة والغنى، وهو يعلم أنه من التراب خُلق وإلى التراب يعود. ما أجد حرص ابن التراب على الغنى والإتراب إلا حمقاً. وما أرى شغف ابن الفناء بالخلود والبقاء إلا سفهاً. لقد آن للعقول الضالة أن تهتدي، وللنفوس الغافلة أن تُفيق، وللآذان الصمِّ أن تسمع؛ فما زالت هذه الحياة منذ كانت تنطق بكل لغة وتعرب بكل لسان، مبرهنةً على ما اشتملت عليه من شر، ومشيرةً إلى ما شغفت به من سوء. لقد اختبرتُها فأحسنتُ اختبارها، وبلوتُها فأتقنتُ بلاءها، لقد أحطتُ بأسرارها وظهرتُ على خبيئتها؛ فما أرى فيها شيئاً أنكره أو أعجب له أو تدهشني غرابته، على حين أرى الحمقى المضللين والبُله المغفَّلين تفجؤهم منها فاجئة الخير أو الشر لم يكن لهم بها عهد، فيقضون العجب ويلجُّون في الدهش والاستغراب. على رِسْلِكم أيها الناس، إنما خيركم من هذه الحياة لباطلٌ وزور، وإنكم حين تُعْجَبون به لتعجبون بشيء لم يقم على قاعدة ولم يعتمد على أصل ولا حكمة. إنما هي حركات حمق ونزوات خطل، ما ينبغي للعاقل أن يرجو منها خيراً أو ينتظر منها نفعاً. ما أرى دنياكم هذه إلا أشد حمقاً وأكثر خطلاً من دجاجة ليس لها حلم راجح ولا عقل صحيح، قد حُرِمَتْ رزانةَ الحركة ووقار المشية، فهي نزَّاءة وثابة، ونزقة طائشة، تحكمها المصادفة أكثر مما يحكمها التدبير. فما أجدرَ العالمَ بها باليأس منها والقنوط من مستقبل أمرها. أيها الكَلِفُ بالحياة المشغوف بالبقاء، لقد تَيَّمَتْك هذه الدنيا واستأثرت بلبِّك، فهِمْتَ بها من حيث ينبغي أن تصد عنها وأن تستبدل ببكاء الرغبة فيها بكاء الرهبة منها. إنك لتهوَى العلة المهلكة والداء المميت. إن حركة الشمس من المشرق إلى المغرب ليست إلا مقربة لأجلك ومقصرة لحياتك. فكِّر في أمرك وأحسن تدبير نفسك، تجد أن أنفاسك التي تتنفسها وحركاتك التي تتحركها مستلذًّا بها ذوقَ الحياة مستعذباً بها طعمَ العيش، ليست إلَّا مُفنية لك، تباعد ما بينك وبين المهد، وتقارب ما بينك وبين اللحد. ذلك قضاء واقع وحكم نافذ، ليس لك منه عاصم ولا نصير. أترى أن سُهَيْلاً هذا النجم المتلألئ في السماء الذي هو أحرى منك بالبقاء وأدنى منك إلى طول المدة واجدٌ له من الحوادث نصيرًا ومن الكوارث ملجأ؟ كلَّا ولكنها عقول ضالة، وأنظار قصيرة، ونفوس سبقتها إلى الهدى تلك الإبل الجادَّة في سقي الأرض، والبقرُ العاملةُ في حرثها. عجباً لكم أيها الناس، لقد اطمأننتم إلى الحياة واستنمتم إلى لذَّاتها، فما منكم إلا مغرور يملؤه الأمل ويحدوه الرجاء. لقد أمِنتم سطوة لا تُؤْمَن، ورَكنتم إلا ما لا ينبغي أن تركنوا إليه. لقد كان حقّاً عليكم أن تَفْرَقوا من مَطْلَع النهار ومَقْدَم الليل، وأن تسيئوا الظن بحياة ما أراها إلا مُرغبة في الموت مُغرية بحبه محرِّضة عليه. قَصِّروا من آمالكم، وآثروا أنفسكم بالدِّعَة والراحة حتى تتقضَّى أيامكم القليلة. أغمدوا سيوفكم واركزوا رماحَكم، ولا يبلغ منكم حبُّ الحياة والشغف بها أن يتعجل بعضكم منايا بعض. أريحوا أنفسكم، لا يقتل بعضكم بعضاً؛ فإن للموت الفطري يداً أمهر من أيديكم في القتل، وحساماً أمضى من سيوفكم في الهام، وسِناناً أثقب من أسِنَّتِكم للصدور. أريحوا أنفسكم من هذا العناء؛ فإن الموت سيريح بعضكم من بعض. كلكم ميت، وكلكم تارك أصدقاءه وأخلَّاءه، لا يحفلون به ولا يأسَفون عليه. وما هي إلا ساعة وداعه ثم يعودون من اللهو واللعب ومن الغيِّ والمجون إلى ما كانوا فيه. * أما عن شهرة أبيات هذه اللزومية فلم نقف على ذكر لبيت من أبياتها فيما رجعنا إليه من المصادر سوى أن ابن بسام أورد البيتين (12،13) في "الذخيرة" بعدما أورد بيتا من اللزومية (43) وذلك في الفصل الذي ترجم فيه للوزير أبي الفضل محمد بن عبد الواحد البغدادي الدارمي قال بعدما أورد أبياتا من مرثية: الحكم بن خليفة له ومنها البيت: وما الدهر إلا آكل من نفوسنا =ونحن لديه في الحقيقة كالأكل# قال: وهذا كقول المعري: وما الأرض إلا مثلنا الرزق تبتغي =وتأكل من هذا الأنام وتشرب # وقد كرر المعري هذا المعنى في مواضع: فشم صارماً واركز قناةً فللردى= يد هي أدرى بالطعان وأدرب# ‌أفض ‌لهامات وأرمى بأسهم= وأطعن ‌في ‌قلب ‌الخميس ‌وأضرب# (انتهى كلام ابن بسام ) والبيت الثاني من الأبيات التي اختارها أبو المعالي الحظيري صاحب "زينة الدهر" في كتابه "لمح الملح" مج1 ص 288. وقد أورد معه البيت الأول من اللزومية (44) وهو سهو من الحظيري. (1)حرف الباء- الباء المضمومة مع الراء-: ص 93-94 شرح نَديم عَدِي_ ج1/دار طلاس للدراسات/ط2. (2) فصل الباء- الباء المضمومة مع الراء-: ص 273 تأليف الدكتور طه حسين، إبراهيم الأبياري ج1/دار المعارف بمصر.


الى صفحة القصيدة »»